قام ناشطات وناشطون من «الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة» "باقتحام" حلقة الخميس 26 حزيران 2014 من برنامج «كلام الناس»، والتي كانت تتناول موضوع التطوير العقاري في لبنان، ببث مباشر للحلقة من معرض ”DREAM REAL ESTATE EXPO“ في البيال (وسط بيروت).
وقد صبّت جميع مُداخلات المدعوّين لهذه الحلقة الخاصة من البرنامج، في تصوير الملكية السكنية كحلم جميع اللبنانيين وكحلّ لمشاكلهم السكنية يسعى القطاع العقاري الى تحقيقه. إضافة لذلك تم مُحاولة طرح هذا القطاع على أنه الركيزة الأساسيّة للإقتصاد اللبناني، وبأن نموّه يزيد فرص العمل، يحّل مشكلة السكن، ويشكّل سنداً أساسيّاً للدولة اللبنانية. كما عرضت الحلقة أهمية جمعية المطورّين العقاريين التي أُنشأت حديثاً من أجل تعزيز اللوبي العقاري ولتغيير القوانين لإستقطاب المزيد من المستثمرين والزبائن كما مطوّرين أخرين.
وقد زعم المشاركون في الحلقة ومن بينهم نائب حاليّ ووزير سابق، كما منظمي المعرض، أن قطاع التطوير العقاري هو ضمانة لتحقيق أحلام اللبنانيين. لكن ما هي أحلام الشعب اللبناني؟ هل بإمكان قلّة من أصحاب الأموال وبعض المطوّرين العقاريّين ان تحدّد أحلام اللبنانيين وكيفية تحقيقها؟ أم أنّه الترويج لأحلام تخدم مصلحتهم الخاصة ومصلحة رجال السلطة الذين هم خلفهم ؟ فيصبح مبرّراً لإنسحاب الدولة من مسؤولياتها تجاه رسم سياسات حقيقية ومستدامة تحقق طموحات المواطنين وبنفس الوقت لتقديم التسهيلات المالية والتقنيّة للمستثمرين في هذا القطاع؟
من هنا أتى التدخّل التي قامت به "الحملة الأهليّة للحفاظ على دالية الروشة" أثناء حلقة “كلام الناس”، بهدف منازعة حلم التطوير العقاري، من خلال ثلاث لافتات، تم انتزاع الأولى منها قبل ظهورها على الكاميرا.
هدف التدخّل هو طرح ثلاثة امور في النقاش حول التطوير العقاري، لم يتمّ النقاش بإتجاهها، أثناء الحلقة:
بداية
نحن نعترض على فكرة ان جميع الناس (اللبنانيّين)، عندما يحلمون بمساحة مثاليّة لحياتهم اليوميّة، يتصوّرون بشكل حصريّ او حتّى اساسيّ ملكاً خاصاً. فتصوير الملكيّة الفردية والخاصة على انها التطلّع النهائي والمثالي والحلّ الوحيد، يُشكّل من جهّة أمراً غير واقعيّاً - فالمُجتمع اللبناني لا يزال مُجتمع متنوّع، لا يمكن ان يتأثّر حقيقة بالحلول الجذريّة بل بالتطور التدريجيّ و"التوافقيّ" - ومن جهة أخرى لهذه النظرة تداعيات سلبيّة واضحة, إذ مُحاولة فرض أحديّتها، من المُحتمل ان تُقيّد المصلحة المشتركة وبالتالي امكانيّاتها الاجتماعية، بالإضافة الى خطورة تحويل قوة فاعلة هي المجتمع (ضمنها العائلة) الى افراد معزولين عن بعضهم البعض يتمّ تحديد هويّتهم فقط بمقدارهم على الاستهلاك, علماً انّ المطلوب هو التوازن والتكامل والمُساوات.
إنتاج المدينة
تصوير الملكيّة السكنيّة الخاصة على انها الحل الوحيد يصبّ تحديداً في مصلحة المطوّرين العقاريين، ويتغاضى عن حاجات اخرى ملحّة، لا يمكن ادراكها وتلبيتها الا بطرحها جماعياً، كالمساحات العامة المشتركة البريّة والبحريّة ومداخل على الشاطئ وما توفّره هذه لناحية البيئة الصحيّة والترابط الإجتماعيّ.
إنّ إبراز المطوّر العقاري على إنه المسؤول (الأوحد) عن توفير السكن للناس هو مدخلُ لكي تصبح سياسة الدولة للاسكان مختصرة على دعم هذا القطاع من خلال قروض وتسهيلات. فقد عرضت ٢٥ شركة عقارية مشاريع لأبراج، خاصّة في أحياء بيروت التاريخية، ومُجمّعات تشبه المستوطنات على الساحل وفي الجبال، كما إقتراحات لتأمين السكن. وما يزيد الأمر سوءاً هو وضوح الإرتباط الوطيد بين مجموعة المطوّرين وقسم من الطبقة السياسية التي تُحاولُ إخضاع قوانين التنظيم المدني، البناء، الإيجار، والملكية لمصالح هذه المجموعة الخاصة، على غرار إنتاج مساحات عامة جديدة المواطن بأمسّ الحاجة اليها وإقرار خطة سكنيّة شاملة بمقاربة مدينيّة مُتلائمة مع حاجات الناس ومتطلّبات المُجتمع.
فإن إغلاق الشاطىء على العامة وتهديد المساحات المشتركة وعدم تطويرها ومُحاولة إخلاء سكّان وأهالي بيروت ومستأجريها...الخ يتم خاصّة بدافع التطوير العقاري تحت شعار انّ هذا التطوير يصبّ دائماً لصالح المصلحة العامة.
فلقد تحوّلت نسبة كبيرة جداً من الشاطئ اللبناني الى منتجعات وفنادق ضخمة وغيرها من المنشآت الخاصة التي تخدم شريحة صغيرة جداً من المجتمع. كما أن المساحات العامة والمشتركة يتم تهديدها من قبل القطاع العقاري، مثل دالية الروشة والرملة البيضاء (خاصة في قسمها الجنوبيّ)، ولا يتم حمايتها من قبل السلطات المعنية، بل أنّ هذه السلطات تقوم بتأمين الغطاء اللازم تلبيةً لمطالب هذا القطاع. بالرغم من أنّ انتاج الفسحات العامة، خصوصاً ضمن المدينة وتجهيزها بشكل مُناسب مع صيانتها الدوريّة المُلائمة تشكل أحد المقاييس التي تدلّ على رُقيّ المُجتمعات. وهي في جميع الأحوال ضروريّة وحيويّة لتأمين عيش كريم ونموّ طبيعيّ لأولادنا كما للأجيال القادمة.
من ناحية أخرى يشرّع "الحلم العقاري" إمكانيّة طرد سكّان وأهالي بيروت من أحيائهم ونزع ذاكرتهم وعلاقتهم بالمكان، زاعماً أنه من الطبيعي ألا يسكن ذوي الدخل المحدود في المدينة، بينما يتم الاستفادة من قوانين تغيّرت لصالح المطوّر، ترفع عامل استثمار العقار وقيمته المادية لأقصى الحدود. علاوة على ذلك، يتم طرح القرض السكني على إنه الحل لأزمة السكن، فيما تظهر الدرسات أن القرض السكني فشل في حل أزمة السكن لذوي الدخل المحدود... كما أن الأرقام تظهر أن هذا «الحق» ليس بمتناول ٨٠٪ من الشعب اللبناني. وقد أظهرت التجارب أن القطاع العقاري والمصرفي لا يملك الحل لأزمة السكن، وبأن الحد من المضاربة العقارية وتنظيم هذا القطاع من خلال نظام ضريبي صحيح هو السبيل الأنسب لإنتاج مدينة تحقق أحلام الشعب اللبناني.
دعم إقتصاد البلد
لبنان يستقطب المطوّرين العقاريين لانه يشكل بيئة حاضنة لهم. فالفوائد المخفّضة تدعم الطلب، وغياب اي كلفة او رسوم على تملّك عقار يعني ان المقاول ليس تحت الضغط للبيع في حال ركود السوق ويحتمل الانتظار، فلا تنخفض الاسعار ولا يتكّبد أيّة خسائر - وهذا ما لا تقدّمه للقطاع العقاري اي من دول العالم. ولتبرير دعم هذا القطاع، الذي يستفيد منه هؤلاء المتمولّون وشركاؤهم من رجال السلطة، على حساب القطاعات المُنتجة، يُحاول البعض إيهامنا بان القطاع العقاري وحده يستطيع النهوض باقتصادنا – الأمر الذي حاول ضيوف هذه الحلقة من برنامج "كلام الناس" تمريره.
والحقيقة هي انّه مثلاً، الزراعة والصناعة ايضا تشكّلان قيمة مضافة للاقتصاد وتنشّطان قطاعات متّصلة بها وتخلقان فرص عمل وتشكّلان مصدراً ضريبياً اذا نالتا الدعم الذي يناله القطاع العقاري اليوم. أما بخصوص وضع خطة اقتصادية شاملة، فمن المنطقي السعي للتنويع في مصادر الناتج المحلي الاجمالي بحيث لا يؤدي ركود قطاع معين الى شل الاقتصاد باكمله. فاذا كان القطاع العقاري فعلاً يشكل الجزء الاكبر من ناتجنا، ينبغي بالمقابل ان ندعم القطاعات الاخرى. وبالاضافة الى ان دعم الصناعيين والزراعيين الصغار يحوّل جزءاً اكبر من عامة الشعب الى منتجين ومن ثم الى مدخرين، بينما السياسات الحالية التي تدعم القطاع العقاري بتخفيض الفوائد لمُشتري العقارات تحولّهم الى مديونين وحسب. وأفضل برهان على ذلك، الازمة الاخيرة التي هزت الولايات المتحدة واوروبا.
وان لم تمتدّ ازمة الرهن العقاري غير المضمون (subprime) الى لبنان فهذا تحديداً بفضل حذر اللبناني في مجال الاقتراض، هذا الحذر الذي حثّ ضيوف الحلقة على التخلي عنه لصالح ما سموه «ثقافة التملك» و «العقلية الاجنبية». ومع انّه من الضروريّ أخذ العبر ممّا يحصل في الدول المتطوّرة، لكنّ عند التطبيق لا يجب إعتماد "التبعيّة العمياء" لها، فالترويج الذي قام به أحد الضيوف، بإعلان تلازم وضع القطاع العقاري في مدينة باريس مع وضعه اليوم في بيروت، هو تضليل خطر، فالكلّ يعلم انّ هذا التشبيه غير واقعيّ نهائيّاً وحتّى انّه خاطئ، إذ الوضع الحالي مع مطاليب وحاجات كما أسس وطريقة إدارة هاتين المدينتين مُختلفتين تماماً.
إنّ قضيّة "دالية الروشة" شأنها شأن سلسلة الرتب والرواتب: كلما ارتفع صوت مطلبي في لبنان باسم العامة، يمُسّ بأي شكل أرباح اصحاب الرساميل، يبدأ التهويل بهروب المستثمرين وفقدان فرص العمل والانهيار الاقتصادي. لكنّ الحقيقة هي أن تكدّس الارباح لدى صاحب المصلحة لا يخلُق فرص عمل جديدة الا اذا ترافق بزيادة في الاستهلاك. حينها فقط يزداد الطلب ويدفع صاحب المصلحة الذي يبغي الربح، على التوظيف. لذا فان تحقيق النمو يكون بخلق طبقة وسطى تشكّل استهلاكاً محلياً ثابتاً لا تتأثّر بأقل اضطراب اقليميّ وتكون ركيزة متينة لقطاعاتنا المُنتجة بما فيها القطاع العقاري أيضاً. كما ان تأمين مساواة في الفرص وتقليص التفاوت الاجتماعي من شأنهما أن يحصنا الاستقرار.